سحنون قد حضر جنازة وهب -وكان أخاه من الرضاعة- فتقدم ابن أبي الجواد الذي كان قاضيا قبله -وكان يذهب إلى رأي الكوفيين، ويقول بالمخلوق- فصلى عليها، فرجع سحنون ولم يصل خلفه، فبلغ ذلك الأمير "زيادة الله"، فأمر أن يوجه إلى عامل القيروان أن يضرب سحنونا خمسمائة سوط، ويحلق رأسه ولحيته، فبلغ ذلك وزيره علي بن حميد فأمر الوزير أن يتوقف، وتلطف حتى دخل على الأمير وقت القائلة، وقد نام، فقال له: ما شيء بلغني في كذا؟ قال: نعم، قال: لا تفعل، فإن الغير إنما هلك بضربه البهلول بن راشد، فقال: وهذا مثل بهلول؟ قال: نعم، وقد حبست البريد شفقة على الأمير، فشكره ولم ينفذ أمره. وبينما سحنون يقرئ الناس إذ أتاه الخبر بما أراح الله منه، وقيل له: لو ذهبت إلى علي بن حميد فشكرته؟ قال: لا أفعل، قيل له: لو وجهت ابنك لذلك؟ فأبى، قال: ولكني أحمد الله الذي حرك ابن حميد لهذا، فهو أولى بالشكر، وأقبل على إسماعه، فقال له قوم من أصحابه: لهذا كتب والله اسمك بالحبر على الرقوق.
قال ابن وضاح: كنت عند سحنون فجاء إنسان فساره شيئا، فتغير لونه، ثم جاءه آخر فساره فرجعت إليه نفسه، ثم قال: لم أبلغ أنا مبلغ من ضرب، إنما يضرب مثل مالك وابن المسيب.
ولما ولي أحمد بن الأغلب الإمارة، وأخذ الناس بالمحنة بالقرآن، وخطب به بالقيروان، توجه سحنون إلى عبد الرحيم الزاهد بقصر زياد فارا، فكان عنده، فوجه في طلبه إلى هنالك رجلا يقال له: