للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم من يسمع قولهم أنهم قد كذبوا، أو يقولوا: لا يسمعوننا حين ندعوا ولا يضروننا ولا ينفعوننا، فينفوا عن آلهتهم المقدرة، فبأي الخبرين أجابوا كانت الحجة عليهم لإبراهيم عليه السلام فحادوا عن جوابه واجتلبوا كلاما من غير فن كلامه، فقالوا: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (١)، ولم يكن هذا جوابا عن مسألة إبراهيم. ويروى أن عمر بن الخطاب قال لمعاوية وقد قدم عليه فنظر إليه يكاد يتفقأ شحما، فقال: ما هذه الشحمة يا معاوية، لعلها من نومة الضحى ورد الخصم؟ فقال (٢): يا أمير المؤمنين، إذا تصونني يرحمك الله، فقد صدق بشر أن الله لا يجهل، إنما سألته أن يقر بالعلم الذي أخبر الله عنه، فأبى أن يقر به وحاد عن جوابي إلى نفي الجهل، فليقل أن لله علما وأن الله لا يجهل، ثم التفت إلي بشر فقلت: يا بشر أنا وأنت نقول أن الله لا يجهل، وأنا أقول أن لله علما وأنت تأبى أن تقوله، فدع ما تقول وأقول، وما لا تقول ولا أقول، وإنما مناظرتي إياك فيما أقول ولا تقول، أو تقول ولا أقول، قال: وهو في ذلك يأبى أن يقر أن لله علما، ويقول: إن الله لا يجهل، فلما أكثر، قلت: يا أمير المؤمنين، إن نفي السوء لا يثبت المدحة، وكنت متكئا على أسطوانة، قلت: هذه الأسطوانة لا تجهل ولا تعلم، فليس نفي الجهل بإثبات للعلم، فإثباته ما أثبت الله أولى به، لأن على الناس أن يثبتوا ما أثبت الله، وينفوا ما نفى الله، ويمسكوا حيث أمسك الله.

ثم قلت: يا أمير المؤمنين: لم يمدح الله ملكا ولا نبيا ولا مؤمنا بنفي


(١) الشعراء الآية (٧٤).
(٢) وقع هنا سقط في الإبانة وما بين المعقوفتين مثبت من كتاب الحيدة (ص.٥٤ - ٥٥) بتحقيق د. جيل صليبا).

<<  <  ج: ص:  >  >>