للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحدى وعشرين ومائتين، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا، وقيل ثمانين سوطا لكن كان ضربا مبرحا شديدا جدا، وقد كان الإمام أحمد رجلا طوالا رقيقا أسمر اللون كثير التواضع رحمه الله.

ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم، أتوه بسويق ليفطر من الصوم، فامتنع من ذلك وأتم صومه وحين حضرت صلاة الظهر صلى معهم، فقال له ابن سماعة القاضي: وصليت في دمك! فقال له أحمد: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما، فسكت ... ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي، فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه، والنائب في كل وقت يسأل عنه، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك، ولما شفاه الله بالعافية بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا} (١) الآية، ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك؟ وقد قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ إِنَّهُ لا يحب الظَّالِمِينَ} (٢) وينادي المنادي يوم القيامة: (ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول


(١) النور الآية (٢٢).
(٢) الشورى الآية (٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>