كواهل وأقدار. وإذا سمعوا بأن جبريل عليه السلام، مرة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة أعرابي، ومرة في صورة دحية الكلبي، ومرة في صورة شاب، ومرة سد بجناحيه ما بين المشرق والمغرب. قالوا: كيف يتحول من صورة إلى صورة. وكيف يكون مرة، في غاية الصغر، ومرة في غاية الكبر: من غير أن يزاد في جسمه ولا جثته، وأعراضه؟ لأنهم لا يعاينون إلا ما كان كذلك. وإذا سمعوا بأن الشيطان يصل إلى قلب ابن آدم، حتى يوسوس له ويخنس. قالوا: من أين يدخل؟ وهل يجتمع روحان في جسم؟ وكيف يجري مجرى الدم؟ قال أبو محمد: ولو اعتبروا ما غاب عنهم، بما رأوه من قدرة الله جل وعز، لعلموا أن الذي قدر على أن يفجر مياه الأرض كلها إلى البحر، منذ خلق الله الأرض وما عليها، فهي تفضي إليه من غير أن يزيد فيه أو ينقص منه. ولو جعل لنهر منها مثل "دجلة" أو "الفرات" أو "النيل" سبيل إلى ما على وجه الأرض من المدائن والقرى والعمارات والخراب، شهرا، لم يبق على ظهرها شيء إلا هلك، هو الذي قدر على ما أنكروا. -وأن الذي قدر أن يحرك هذه الأرض، على عظمها وكثافتها، وبحارها، وأطوادها، وأنهارها حتى تتصدع الجبال، وحتى تغيض المياه، وحتى ينتقل جبل من مكان إلى مكان، هو الذي لطف لما قدر.
وأن الذي وسع إنسان العين، مع صغره وضعفه، لإدراك نصف الفلك، على عظمه، حتى رأى النجم من المشرق، ورقيبه من المغرب، وما بينهما، وحتى خرق من الجو، مسيرة خمسمائة عام هو الذي خلق ملكا، ما بين