للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ كان ذلك لا يبلغ أبدا فإن دون كل بيان بيانا، وفوق كل متعلق أغمض منه، وإذ كان الأمر كذلك فالواجب الوقوف عند المستبهم منه، ومن أجل ذلك أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم إذا أفضى ببعضهم الأمر إلى ما جهلوه، آمنوا به ووكلوه إلى الله عز وجل، ومن أجل ذلك ذم الله عز وجل للغالين في طلب ما زوى عنهم علمه وطوى علمه وطوى عنهم خبره فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زيغٌ} إلى قوله: {وَمَا يذكر إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (١). ومن أجل بعض ما ذكرنا اشتدت الخلفاء المهديون على ذوي الجدل والكلام في الدين، وعلى ذوي المنازعات والخصومات في الإسلام والإيمان، ومتى نجم منهم ناجم في زمن أطفأوه وأخمدوا ذكره ولقوه عقوبته، فمنهم من سيره إلى طرف ومنهم من ألزمه قعر محبس إشفاقا على الدين من فتنته وحذرا على المسلمين من خدعات شبهته، كما فعله الإمام الموفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله صبيغ عن الذاريات ذروا وأشباهه، فسَيَّره إلى الشام وزجر الناس عن مجالسته. وفعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعبد الله بن سبأ، فسيره إلى المداين.

ولقد أتى محمد بن سيرين رجل من أهل الكلام فقال، ائذن لي أحدثك بحديث، قال لا أفعل، قال فأتلو عليك آية من كتاب الله، قال ولا هذا، فقيل له في ذلك فقال ابن سيرين لم آمن أن يذكر لي ذكرا يقدح به قلبي، وقد بين الله ما بالعباد إليه حاجة في عاجلهم ومعادهم، وأوضح لهم سبيل النجاة والهلكة، وأمر ونهى


(١) آل عمران الآية (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>