وذكر أقوال أهل العلم: فقالت هذه الطائفة: بين الله تبارك وتعالى أنه أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم الناس الكتاب والحكمة، فالحكمة غير الكتاب، وهي: ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لم يذكر في الكتاب، وكل فرض لا افتراق بينهما، لأن مجيئهما واحد، وكل أمر الله نبيه بتعليمه الخلق، فأوجب عليه الأخذ بالسنة والعمل بها، كما أوجب عليهم العمل بالكتاب فكان معنى كل واحد منهما معنى الآخر، وقد أوجب الله عز وجل طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فجعلها مفترضة على خلقه كافتراض طاعته عليهم لا فرقان بينهما في الوجوب، فما أنكرتم أن ينسخ أحدهما بالآخر، لأنه إذا نسخ القرآن بالقرآن، فإنما نسخ ما أمر به بأمره، وكذلك إذا نسخ حكما في القرآن بالسنة، فإنما ينسخ ما أمر به في كتابه بأمره على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن فرق بين ذلك، فقد قصر علمه فإن كان إنما يحملهم على ذلك تعظيم القرآن أن ينسخ أحكامه بالسنة، فالقرآن عظيم أعظم من كل شيء، لأنه كلام الله، وليس ينسخ الله كلامه فيبطله، جل عن ذلك، وإنما ينسخ المأمور به بكلامه بمأمور به في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فالمأمور بهما متساويان، لأنهما حكمان، والقرآن أعظم من السنة، ولو جاز لمن عظم القرآن، وهو أهل أن يعظم، أن ينكر أن ينسخ الله حكما فيه بحكم في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لجاز له أن ينكر أن يفسر القرآن بالسنة، ويوجب أنه لا يجوز أن يترجم القرآن إلا بقرآن منزل مثله، فإن جاز هذا جاز هذا، ففي إقرارهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترجم القرآن وفسره بسنته، حجة عليهم أنهم ساووا بين القرآن والسنة في هذا المعنى، بل جعلوا السنة أعلى منه وأرفع في قياسهم، إذ كان القرآن لا يعلم بنفسه، وإنما يعلم بالسنة، لأن السنة لا تحتاج أن تفسر