للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنا نحن قد أوجدناك في آيات كثيرة من كتابه وأخبار صحيحة عن رسول الله أن القرآن كلام الله ومنه، وفيه صفاته وأسماؤه، وأنه علم من علمه، وأنه ليس بجائز أن يكون شيء من الله ولا من صفاته، ولا من أسمائه، ولا من علمه، ولا من قدرته، ولا من عظمته، ولا من عزته مخلوقة (١). ورأيناك أيها الجهمي تزعم أنك تنفي التشبيه عن الله بقولك: إن القرآن مخلوق، ورأيناك شبهت الله عز وجل بأضعف ضعيف من خلقه. فإن كلام العباد مخلوق، وأسماءهم مخلوقة، وعلم الناس مخلوق، وقدرتهم وعزتهم مخلوقة، فأنت بالتشبيه أحق وأخلق، وأنت فليس تجد ما قلته من أن القرآن مخلوق في كتاب الله، ولا في سنة نبيه، ولا مأثوراً عن صحابته، ولا عن أحد من أئمة المسلمين.

فحينئذ لجأ الجهمي إلى آيات من المتشابه جهل علمها، فقال: قلت: ذلك من قول الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} (٢) وقوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (٣) وزعم أن كل مجعول مخلوق، فنزع بآية من المتشابه يحتج بها من يريد أن يلحد في تنزيلها، ويبتغي الفتنة في تأويلها. فقلنا إن الله عز وجل قد منعك -أيها الجهمي- الفهم في القرآن حين جعلت كل مجعول مخلوقاً، وأن كل جعل في كتاب الله هو بمعنى خلق، فمن هاهنا بليت بهذه الضلالة القبيحة حين تأولت كتاب الله بجهلك وهوى نفسك وما زينه لك شيطانك وألقاه على لسانك إخوانك، وذلك أنا نجد


(١) لعل الصواب: مخلوق.
(٢) الزخرف الآية (٣).
(٣) الشورى الآية (٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>