للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان هذا أمراً لا يبلغه وسع العباد، فنسخ ذلك بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (١) فهذا ونحوه كثير، تركنا ذكره لئلا يطول الكتاب به، أراد الله عز وجل بنزول الناسخ رفع المنسوخ، وليكون في ذلك خيرة للمؤمنين تخفيفاً عنهم، لا أنه يأتي بقرآن خير من القرآن الأول، وإنما أراد خيراً لنا وأسهل علينا. ألم تسمع إلى قوله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (٢)، {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (٣)، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (٤)؟ فهذا وشبهه في القرآن كثير، لا أن في القرآن شيئاً خيراً من شيء، ولو جاز ذلك، لجاز أن يقال: سورة كذا خير من سورة كذا، وسورة كذا شر من سورة كذا. ومما يغالط به الجهمي من لا يعلم قول الله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (٥) فقالوا: كل شيء له بين يدين وخلف، فهو مخلوق، فيقال له: إن القرآن ليس شخصاً فيكون له خلف وقدام، وإنما أراد تعالى لا يأتيه التكذيب من بين يديه فيما نزل قبله من التوراة والإنجيل والكتب التي


(١) التغابن الآية (١٦).
(٢) البقرة الآية (١٨٧).
(٣) المزمل الآية (٢٠).
(٤) البقرة الآية (١٨٥).
(٥) فصلت الآية (٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>