للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفصحها لساناً، وهذا لم ينزل به القرآن ولم يتكلم به فصحاء العرب، فحكموا على الله بما جرى على ألسنة عوام الناس، وشبهوا الله تعالى بالحائط والنخلة والنعل والقدم.

ويقال له: أرأيت من قال: سقط الحائط، وهطلت السماء، وزلت القدم، ونبتت الأرض، ولم يقل: قال الحائط، ولا قالت السماء، وأسقط قال وقالت في هذه الأشياء، أيكون كاذباً في قوله؟ أم يكون تاركاً للحق في خطابه؟ فإذا قال: ليس بتارك للحق، قيل له: فما تقول في رجل عمد إلى كل قال في القرآن مما حكاه الله عن نفسه أنه قال فمحاه، هل يكون تاركاً للحق أم لا؟ فعندها يبين كفر الجهمي وكذبه. ومما يغالط به الجهمي جهال الناس والذين لا يعلمون، أن يقول: خبرونا عن قول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} (١) فيقول: خبرونا عن هذا الشيء، أموجود هو أم غير موجود؟ فيقال له: إن معنى قوله: {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} هو في علمه كائن بتكوينه إياه، قال لذلك الذي قد علم أنه كائن مخلوق: كن كما أنت في علمي، فيكون كما علم وشاء، لأنه كان معلوماً غير مخلوق، فصار معلوماً مخلوقاً كما قال وشاء وعلم. ويقال للجهمي: ألست مقراً بأن الله تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كن فكان. فيقول: لا أقول، إنه يقول فيرد كتاب الله، ويكفر به ويقول: لا، ولكنه إذا أراد شيئاً كان، فيقال له: يريد أن تقوم القيامة، وأن يموت الناس كلهم، وأن يبعثوا كلهم، فيكون ذلك بإرادته قبل أن يقال فيكون. وقال


(١) يس الآية (٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>