للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله من أعمال بني آدم والغيب لا يعلمه إلا الله؟ فعند ذلك يتبين كفر الجهمي. ثم إن الجهمي ادعى أمراً آخر ابتغاء الفتنة، فقال: إن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} (١) فعيسى كلمة الله وعيسى مخلوق. فقيل للجهمي: جهلك بكتاب الله وقبيح تأويلك قد صار بك إلى صنوف الكفر، وجعلك تتقلب في فنون الإلحاد، فكيف ساغ لك أن تقيس عيسى بالقرآن؟ وعيسى قد جرت عليه ألفاظ وتقلبت به أحوال لا يشبه شيء منها أحوال القرآن، منها: أن عيسى حملته أمه ووضعته وأرضعته، فكان وليداً، ورضيعاً، وفطيماً، وصبياً، وناشئاً، وكهلاً، وحياً ناطقاً، وماشياً، وذاهباً، وجائياً، وقائماً، وقاعداً، ويصوم ويصلي، وينام ويستيقظ، ويأكل الطعام ويشرب، ويكون منه ما يكون من الحيوان إذا أكل وشرب.

وبذلك أخبرنا الله تعالى عنه تكذيباً للنصارى حين قالوا فيه القول الذي يضاهي قولك أيها الجهمي: فقال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} (٢) فكنى بالطعام عن خروج الحدث، وهو مع هذا مخاطب بالتعبد وبالسؤال والوعد والوعيد، ومحاسب يوم القيامة، وأخبرنا أنه حي وميت ومبعوث، فهل سمعت الله عز وجل وصف


(١) النساء الآية (١٧١).
(٢) المائدة الآية (٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>