للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} (١) وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل فأورثهم الاتفاق والايتلاف، وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف، فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف، وإن اختلف في لفظ أو كلمة فذلك اختلاف لا يضر الدين ولا يقدح فيه. وأما دلائل العقل فقلما يتفق بل عقل كل واحد يري صاحبه غير ما يرى الآخر وهذا بين والحمد لله. وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مذاهب الفروع اختلاف العقائد في الأصول فإنا وجدنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم من بعده واختلفوا في أحكام الدين، فلم يفترقوا ولم يصيروا شيعا.

لأنهم لم يفارقوا الدين ونظروا فيما أذن لهم فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة، مثل مسألة الحد والمشتركة وذوي الأرحام ومسألة الحرام وفي أمهات الأولاد، وغير ذلك مما يكثر تعداده من مسائل البيوع والنكاح والطلاق، وكذلك في مسائل كثيرة من باب الطهارة وهيآت الصلاة وسائر العبادات. فصاروا باختلافهم في هذه الأشياء محمودين، وكان هذا النوع من الاختلاف رحمة من الله لهذه الأمة حيث أيدهم باليقين، ثم وسع على العلماء النظر فيما لم يجدوا حكمه في التنزيل والسنة فكانوا مع هذا الاختلاف، أهل مودة ونصح، وبقيت بينهم أخوة الإسلام ولم ينقطع عنهم نظام الألفة. فلما حدثت هذه الأهواء المردية الداعية صاحبها إلى النار ظهرت العداوة وتباينوا


(١) الأنعام الآية (١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>