المسلمين، فأقبلت الفرنج برا وبحرا من كل فج عميق، فأحاطوا بها، وسار صلاح الدين فيدفعهم، فما تزعزعوا ولا فكروا بل أنشأوا سورا وخندقا على معسكرهم، وجرت غير وقعة، وقتل خلق كثير يحتاج بسط ذلك إلى جزء، وامتدت المنازلة والمطاولة والمقاتلة نيفا وعشرين شهرا، وكانت الأمداد تأتي العدو من أقصى البحار، واستنجد صلاح الدين بالخليفة وغيره، حتى إنه نفذ رسولا إلى صاحب المغرب يعقوب المؤمني يستجيشه فما نفع، وكل بلاء النصارى ذهاب بيت المقدس منهم. قال ابن الأثير: لبس القسوس السواد حزنا على القدس، وأخذهم بترك القدس وركب بهم البحر يستنفرون الفرنج، وصوروا المسيح وقد ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجرحه، فعظم هذا المنظر على النصارى، وحشدوا وجمعوا من الرجال والأموال ما لا يحصى، فحدثني كردي كان يغير مع الفرنج بحصن الأكراد أنهم أخذوه معهم في البحر، قال: فانتهى بنا الطواف إلى رومية، فخرجنا منها وقد ملأنا الشواني الأربعة فضة. قال ابن الأثير: فخرجوا على الصعب والذلول برا وبحرا، ولولا لطف الله بإهلاك ملك الألمان وإلا لكان يقال: إن الشام ومصر كانتا للمسلمين. قلت: كانت عساكر العدو فوق المئتي ألف، ولكن هلكوا جوعا ووباء وهلكت دوابهم، وجافت الأرض بهم، وكانوا قد ساروا فمروا علىجهة القسطنطينية ثم على ممالك الروم تقتل وتسبي، والتقاه سلطان الروم فكسره ملك الألمان، وهجم قونية فاستباحها، ثم هادنه ابن قلج رسلان ومروا على بلاد سيس ووقع فيهم الفناء فمات الملك وقام ابنه.
قلت: قتل من العدو في بعض المصافات الكبيرة التي جرت في حصار عكا في يوم اثنا عشر ألفا وخمس مئة،