للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} (١). وكانت الإشارة إلى العباد، أي: أنتم تمشون وتبطشون وتبصرون وتسمعون والأصنام عاجزة عن ذلك وهي جماد وهم حيوان فكيف عبد التّامُّ النّاقصَ. ولو تفكروا لعلموا أن الإله يصنع الأشياء ولا يُصنع، ويجمع وليس بمجموع، وتقوم الأشياء به ولا يقوم بها، وإنما ينبغي للإنسان أن يعبد من صنعه لا ما صنعه. وما خيل إليهم أن الأصنام تشفع فخيال ليس فيه شبهة يتعلق بها. (٢)

- وقال مبيّناً سخف الفلاسفة ومن ضاهاهم: وقد لبس إبليس على أقوام من أهل ملتنا فدخل عليهم من باب قوة ذكائهم وفطنتهم، فأراهم أن الصواب اتباع الفلاسفة لكونهم حكماء قد صدرت منهم أفعال وأقوال دلت على نهاية الذكاء وكمال الفطنة، كما ينقل من حكمة سقراط وأبقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وجالينوس، وهؤلاء كانت لهم علوم هندسية ومنطقية وطبيعية واستخرجوا بفطنهم أموراً خفية إلا أنهم لما تكلموا في الإلهيات خلطوا؛ ولذلك اختلفوا فيها ولم يختلفوا في الحسيات والهندسيات. وقد ذكرنا جنس تخليطهم في معتقداتهم.

وسبب تخليطهم أن قوى البشر لا تدرك العلوم إلا جملة، والرجوع فيها إلى الشرائع. وقد حكي لهؤلاء المتأخرين في أمتنا أن أولئك الحكماء كانوا ينكرون الصانع، ويدفعون الشرائع ويعتقدونها نواميس وحيلاً، فصدقوا فيما حكي لهم عنهم، ورفضوا شعار الدين وأهملوا الصلوات ولابسوا


(١) الأعراف الآية (١٩٥).
(٢) تلبيس إبليس (ص.٧٧ - ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>