أدبر فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلعله يصلي». فقال: إنه ربّ مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم». ثم نظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مقفٍ فقال:«إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كم يمرق السهم من الرميّة». (١)
قال المصنف: هذا الرجل يقال له ذو الخويصرة التميمي، وفي لفظ أنه قال له: اعدل! فقال: «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟» فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وآفته أنه رضي برأي نفسه، ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وذلك أنه لما طالت الحرب بين معاوية وعلي رضي الله عنهما رفع أصحاب معاوية المصاحف ودعوا أصحاب علي إلى ما فيها، وقال: تبعثون منكم رجلاً ونبعث منا رجلاً. ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله عز وجل. فقال الناس قد رضينا. فبعثوا عمرو بن العاص فقال أصحاب علي: ابعث أبا موسى. فقال علي: لا أرى أن أوليّ أبا موسى، هذا ابن عباس. قالوا: لا يزيد رجلاً منك. فبعث أبا موسى وأخر القضاء إلى رمضان. فقال عروة بن أذينة: تحكمون في أمر الله الرجال، لا حكم إلا لله. ورجع علي من صفين، فدخل الكوفة ولم تدخل معه الخوارج؛ فأتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً؛ وقالوا: لا حكم إلا لله. وكان ذلك أول ظهورهم ونادى مناديهم أن أمير القتال شبيب بن ربعي التميمي وأمير
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤ - ٥) والبخاري (٨/ ٨٤/٤٣٥١) ومسلم [٢/ ٧٤١ - ٧٤٢/ ١٠٦٤ (١٤٣و١٤٤)] بهذا اللفظ.