للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)} (١)! ومعنى قوله: إن تفضيلك الطين على النار ليس بحكمة!! وقد رأيت من كان فقيهاً دأبه الاعتراض! وهذا لأن المعترض ينظر إلى صورة الفعل، ولو أن صورة الفعل صدرت من مخلوق مثلنا؛ حَسُنَ أن يُعترض عليه؛ فأما من نقصت الأفهام عن مطالعة حكمته؛ فاعتراض الناقص الجاهل عليه جنون.

فأما اعتراض الخلعاء؛ فدائم؛ لأنهم يريدون جريان الأمور على أغراضهم؛ فمتى انكسر لأحدهم غرض؛ اعترض. وفيهم من يتعدى إلى ذكر الموت، فيقول: بنى ونقض!! وكان لنا رفيق؛ قرأ القرآن والقراءات، وسمع الحديث الكثير، ثم وقع في الذنوب، وعاش أكثر من سبعين سنة، فلما نزل به الموت؛ ذُكر لي أنه قال: قد ضاقت الدنيا إلا من روحي!! ومن هذا الجنس سمعتُ شخصاً يقول عند الموت: ربّي يظلمني!!

وهذا كثير! ويُكره أن يُحكى كلامُ الخلعاء في جنونهم واعتراضاتهم الباردة.

ولو فهموا أن الدنيا ميدان مسابقة ومارستان صبر ليبين بذلك أثرُ الخالق؛ لما اعترضوا، والذي طلبوه من السلامة وبلوغ الأغراض أمامهم لو فهموا؛ فَهُمْ كالزورجاري يتلوّث بالطين؛ فإذا فرغ لبس ثياب النظافة.

ولما أريد نقضُ هذا البدن الذي لا يصلح للبقاء نُحّيت عنه النفس الشريفة، وبُني بناء لا يقبل الدوام.


(١) ص الآية (٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>