وهذا القسم الأخير هو اعتقاد الجمّ الغفير. إلا أن قولهم:(أمرّوها كما جاءت) يحتمل معنيين:
أحدهما: يعتقِدُ إثباتها من غير تفهم لها.
والآخر: إثباتها كما جاءت مع فهمها، أي: يفهم الشيء على ما هو عليه، وهذا الغاية القصوى في الفهم والتوفيق لمن أُعطيه من أهل الإنابة والتحقيق. وقد نطق الأيمة الذين أُمروا بإمرارها كما جاءت بذلك في أقوالهم كمالك رحمه الله في الاستواء حيث قال -مجيباً للسائل عن الاستواء-: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول). فأخبر أن الاستواء معلوم، والمعلوم مفهوم بلا شكّ. وكذلك الأوزاعي قد أجاب في حديث النزول أيضاً جواباً يُنبئ عن فهمه له، واعتقاده فيه. وقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله: قال أهل العلم في حديث الصفات مثل ما ورد في حديث النزول، وذكر الرجل، والقدم، واليدين، وما أشبهه: يُؤمَن بهذا كله، ولا يُتوهَّم، ولا يُقال كيف، ولا لم، مع اعتقاد التمجيد والتنزيه عن التمثيل والتشبيه، وينسبون من أنكرها إلى الجهمية؛ لأن جهماً ردّها، والصحيح إمرارها كما جاءت، وبه قال الفقهاء مالك والشافعي وسفيان الثوري وابن عيينة وابن المبارك، وإلى ذلك ذهب البخاري وجميع المحدِّثين، وأهل العلم من السنة والجماعة من السلف والخلف رحمة الله عليهم، إلا أن الظن بهؤلاء أنهم فهموها على ما هي عليه. وفهم الشيء على ما هو عليه هو الغاية القصوى. ويكون معنى قولهم:(أمرّوها كما جاءت) نفي التعطيل، ونفي التشبيه، ونفي التأويل الخارج عن الحق. فهذه