الشيخ محيي الدين -وهو ابن عشر سنين- بنوى، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن.
حفظ القرآن وقد ناهز الاحتلام، وحفظ كتاب التنبيه وشيئا من المهذب، وكلاهما للشيرازي. أخذ عن الشيخ إسحاق بن أحمد المغربي، وعبد الرحمن بن نوح المقدسي، وأبي حفص عمر بن أسعد الرَّبعَي، والشيخ أبي البقاء النابلسي وغيرهم. قال عنه الذهبي: أكب على طلب العلم ليلا ونهارا اشتغالا، فضرب به المثل، وهجر النوم إلا عن غلبة، وضبط أوقاته إلا بلزوم الدرس أو الكتابة أو المطالعة، أو التردد إلى الشيوخ، وترك كل رفاهية وتنعم، مع تقوى وقناعة وورع وحسن مراقبة لله في السر والعلانية.
وذكر الشيخ أبو الحسن علي بن العطار أن الشيخ محيي الدين ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثنتي عشر درسا على المشايخ، شرحا وتصحيحا، درسين في الوسيط، ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جني في النحو، ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت في اللغة، ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين. وكان يعلق جميع ما يتعلق بها من شرح لمشكل، وتوضيح لعبارة، وضبط لغة وبيان لغريب.
تخرج به جماعة من العلماء منهم: أبو عبد الله محمد بن أبي إسحاق الكناني، وابن النقيب، وأحمد بن فرح الإشبيلي، وسليمان بن هلال الجعفري وغيرهم. درس في المدرسة الإقبالية نيابة عن الشيخ أحمد بن خلكان، وولي