للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلانسي وغيرهم يثبتون مباينة الخالق للمخلوق وعلوه بنفسه فوق المخلوقات، وكان ابن كلاب وأتباعه يقولون: إن العلو على المخلوقات صفة عقلية تعلم بالعقل، وأما استواؤه على العرش فهو من الصفات السمعية الخبرية التي لا تعلم إلا بالخبر، وكذلك الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، ولهذا يثبت العلو ونحوه مما تنفيه المعتزلة، ويثبت الاستواء على العرش، ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش، بخلاف أتباع صاحب 'الإرشاد' فإنهم سلكوا طريقة المعتزلة، فلم يثبتوا الصفات إلا بالعقل، وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون: إنهم يحتجون بالعقل لما عرف ثبوته بالسمع، فالشرع هو الذي يعتمد عليه في أصول الدين، والعقل عاضد له معاون. فصار هؤلاء يسلكون ما يسلكه من سلكه من أهل الكلام المعتزلة ونحوهم فيقولون: إن الشرع لا يعتمد عليه فيما وصف الله به وما لا يوصف، وإنما يعتمد في ذلك عندهم على عقلهم، ثم ما لم يثبته إما أن ينفوه وإما أن يقفوا فيه. ومن هنا طمع فيهم المعتزلة، وطمعت الفلاسفة في الطائفتين، بإعراض قلوبهم عما جاء به الرسول، وعن طلب الهدى من جهته، وجعل هؤلاء يعارضون بين العقل والشرع كفعل المعتزلة والفلاسفة، ولم يكن الأشعري وأئمة أصحابه على هذا، بل كانوا موافقين لسائر أهل السنة في وجوب تصديق ما جاء به الشرع مطلقا، والقدح فيما يعارضه، ولم يكونوا يقولون: "إنه لا يرجع إلى السمع في الصفات"، ولا يقولون: "الأدلة السمعية لا تفيد اليقين" بل كل هذا مما أحدثه المتأخرون الذين مالوا إلى الاعتزال والفلسفة من أتباعهم.

وذلك لأن الأشعري صرح

<<  <  ج: ص:  >  >>