اعتكاف، أو تعليم، أو تعلم، أو ذكر لله دعاء له ونحو ذلك مما شرع في المساجد لم يكونوا يذهبون إلى ناحية القبر فيزورونه هناك ولا يقفون خارج الحجرة، كما لم يكونوا يدخلون الحجرة أيضا لزيارة قبره، فلم يكن الصحابة بالمدينة يزورون قبره، لا من المسجد خارج الحجرة ولا داخل الحجرة، ولا كانوا أيضا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره، بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء، وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا الصلاة والسلام عليه، وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في المبسوط، وقد ذكره أصحابه كأبي الوليد الباجي والقاضي عياض وغيرهما، قيل لمالك: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه، يفعلون ذلك أي يقفون على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون عليه ويدعون له ولأبي بكر وعمر، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة والأيام المرة والمرتين، أو أكثر عند القبر يسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني هذا عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.
فقد كره مالك رحمه الله هذا وبين أنه لم يبلغه عن أهل العلم بالمدينة، ولا عن صدر هذه الأمة وأولها وهم الصحابة، وإن ذلك يكره لأهل المدينة إلا عند السفر، ومعلوم أن أهل المدينة لا يكره لهم زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد وغيرهم، بل هم في ذلك ليسوا بدون سائر الأمصار، فإذا لم يكره لأولئك زيارة القبور، بل يستحب لهم زيارتها عند جمهور العلماء، كما