فبالله عليك يا شيخ، ارفق بنفسك، والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشزر، ولا ترمقنهم بعين النقص، ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا، فما في من سميت أحد، ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين، عالم بسبيل النجاة، وليس في كبار محدثي زماننا؛ أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال أن أعوزك المقال: من أحمد؟! وما ابن المديني؟! وأي شيء أبو زرعة وأبو داود؟! هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه؟! وما أصوله؟! ولا يفقهون الرأي، ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله تعالى بالدليل، ولا هم من فقهاء الملة. فاسكت بحلم أو انطق بعلم، فالعلم النافع هو النافع -كذا- ما جاء عن أمثال هؤلاء، ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث، فلا نحن ولا أنت، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبلوى، فأعرض عنه وذره في غيه فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة. (١)
التعليق:
هذا كان في زمن الذهبي، الذي عاش مع الفحول والحفاظ في كل فن، مع ذلك أورد هذه الإيرادات، فماذا يكون في زمننا هذا الذي عم فيه البلاء؟ -نسأل الله العافية- ونطق فيه الرويبضة، وتمشيخ فيه الجهال، ولقب السفلة بالفقهاء، وعقدت لهم المجالس، ووضعت لهم الدور والمدارس والجامعات؛