للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطلبين فرق عظيم. ألا ترى أن من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى إليه راكبا على النجائب، فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إلى غيره، فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات، إما حجابا له عنه، أوحاجبا له يوصله إلى رضاه وقربه وكرامته.

الفرقة الرابعة: فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة، وسبيل المؤمنين مجملة، وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع، فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول كذلك، بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له في بعض الأشياء. ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا. وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها، إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها.

والمقصود أن الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض، كما يحب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك. وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله من معرفة عموم ربوبيته سبحانه وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقها بمتعلقاتها واقتفائها لآثارها وموجباتها. وذلك من أعظم الدلالة على ربوبيته وملكه وإلهيته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه، والله أعلم. (١)


(١) الفوائد (١٤٢ - ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>