للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكنا، ولا أزعج له قاطنا، ولا أثار فيه وجدا، ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زندا؛ حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان، وولج مزموره سمعه، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت. فيا أيها الفاتن المفتون، والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون، هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن؟! وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد؟! وهذه الأحوال السنيات عند تلاوة السور والآيات؟! ولكن كل امرىء يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والجنسية علة الضم قدرا وشرعا، والمشاكلة سبب الميل عقلا وطبعا، فمن أين هذا الإخاء والنسب؟ لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب، ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللا؟ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} (١) ولقد أحسن القائل:

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة ... لكنه إطراق ساه لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا ... والله ما رقصوا لأجل الله

دف ومزمار ونغمة شادن ... فمتى رأيت عبادة بملاهي؟

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ... تقييده بأوامر ونواهي


(١) الكهف الآية (٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>