أعلام التوحيد، ويعلن للناس أن الدعوة كلها لله يكفر من صرف شيئا منها إلى سواه. وإذا ذكر أحد بمجلسه شارات الطواغيت والصالحين الذين كانوا يعبدونهم مع الله نهاه عن ذلك وزجره، وبين له الصواب وقال له: إن محبة الأولياء والصالحين إنما هي باتباع هديهم وآثارهم. وليست باتخاذهم آلهة من دون الله، وكان كثير من أهل البصرة يأتون إليه بشبهات يلقونها عليه، فيجيبهم بما يزيل اللبس، ويوضح الحق، ويكرر عليهم دائما أن العبادة كلها لا تصلح إلا لله، وكان بعض الناس يستغربون منه ذلك، ويعجبون لما يظهر لهم من شدة إنكاره لعبادة الصالحين والأولياء، والتوسل بهم عند قبورهم ومشاهدهم. وكانوا يقولون: إن كان ما يقوله هذا الإنسان حقا فالناس ليسوا على شيء.
فلما تكرر منه ذلك، آذاه بعض أهل البصرة أشد الأذى وأخرجوه منها وقت الهجيرة، فاتجه إلى الشام، ولكن نفقته التي كانت معه ضاعت منه في الطريق، فانثنى عائدا إلى نجد، ومر في طريقه إليها بالأحساء، ونزل فيها على الشيخ العالم عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي، ثم اتجه منها إلى بلدة حريملا، وكان أبوه عبد الوهاب قد انتقل إليها من العيينة، سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، بعد أن توفي حاكمها عبد الله بن معمر وتولى بعده ابن ابنه محمد بن حمد الملقب خرفاش، فعزل الشيخ عبد الوهاب عن قضاء العيينة لنزاع بينهما.
فأقام الشيخ محمد في حريملا مع أبيه يقرأ عليه سنين، إلى أن توفي أبوه سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف.