للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأتيه منهم أحد ولا يراه، وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة، وفرطوا في ذلك، ويلومهم على الانهزام والرجوع. وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام، فتقول الخيالة: سبب هزيمتنا القرابة، وتقول القرابة بالعكس. ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع: أين لنا بالنصر، وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهبا، وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم، ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون، وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد، بخشوع وخضوع. وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن، وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب، وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم: هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط، الشاربين الخمور، التاركين للصلاة، الآكلين الربا، القاتلين الأنفس، المستحلين المحرمات.

وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر، فوجدوهم غلفا غير مختونين، ولما وصلوا بدرا واستولوا عليه وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء، نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم، فكانوا يفعلون فيهم، ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون: هؤلاء الكفار الخوارج، حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته، فقال له: حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك من الغد. (١)


(١) تاريخ الجبرتي (٣/ ٣٤١ - ٣٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>