للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذه السنة نطقت صريحا بالقدر، وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولكنهم كما قال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (١). قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله-: إن الناس في الأمر الشرعي الديني والقضاء المقدور الكوني انقسموا أربعة أقسام، فمنهم يرى الأمر المقدر الكوني وتوحيد الربوبية الشامل للخليقة، ويقر أن العباد كلهم تحت القضاء والقدر، ولكن لا يفرق بين المؤمنين وبين الفجار الكافرين، فهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى، لكن من الناس من يفرق بين المؤمن والكافر ولايفرق بين البر والفاجر، أو يفرق بين بعض الأبرار وبين بعض الفجار ولا يفرق في آخرين اتباعا لظنه وما يهواه، فيكون ناقص الإيمان، بحسب ما سوى بين الأبرار والفجار ويكون معه من الإيمان بدين الله تعالى والفارق بحسب ما فرق بين أوليائه وأعدائه. ومنهم من أقر بالأمر والنهي الدينيين دون القضاء والقدر، وذاك من القدرية والمعتزلة ونحوهم الذين هم مجوس هذه الأمة، فهؤلاء يشبهون المجوس وأولئك يشبهون المشركين الذين هم شر من المجوس، ومن أقر بهما وكان معترضا على ربه في أحكامه فهو كإبليس الذي اعترض على ربه وخاصمه.

ومنهم من أقر الأمر الكوني المقدور والأمر الشرعي المأمور فيفعل المأمور ويترك المحظور، ويصبر على ما يصيبه من المقدور، وهؤلاء هم أهل إياك نعبد وإياك نستعين، وإذا أذنب استغفر وتاب ولا يحتج بالقدر على ما يفعله من السيئات، ويؤمن بالقدر ولا


(١) الروم الآية (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>