للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النزاع في تفسير ذلك، فهو إذا كان خالقا لأفعال العباد، هل يقال: إنه ما هو قبيح منه وظلم، أم لا؟ فأهل السنة المثبتون للقدر يقولون: ليس هو بذلك ظالما ولا فاعلا قبيحا، والقدرية يقولون: لو كان خالقا لأفعال العبادكان ظالما فاعلا ما هو قبيح منه، وأما كون الفعل قبيحا من فاعله لا يقتضي أن يكون كذلك لخالقه، لأن الخالق خلقه في غيره، لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل، لا من خلقه في غيره، كما أنه إذا خلق لغيره لونا وريحا وحركة وقدرة وعلما، كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون، والريح، والحركة، والقدرة، والعلم، فهو المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر بتلك القدرة، فكذلك إذا خلق في غيره كلاما، أو صلاة، أو صياما، أو طوافا، كان ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام، وهو المصلي، وهو الصائم، وهو الطائف، ولكن من قال إن الفعل هو المفعول يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله، فإن قال: وهو أيضا فعل لهم لزم أن يكون الفعل الواحد لفاعلين، كما يحكى عن أبي إسحاق الإسفراييني، وإن لم يقل هو فعل لهم لزمه أن تكون أفعال العباد فعلا لله لا لعباده كما يقوله الأشعري ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم، الذين يقولون: إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق الله، فتكون هي فعل الله، وهي مفعول الله، فكما أنها خلقه فهي مخلوقة، وهؤلاء لا

يقولون إن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، ولكنهم مكتسبون لها، وإذا طولبوا بالفرق بين الكسب والفعل لم يذكروا فرقا معقولا، ولهذا كان يقال: عجائب الكلام ثلاثة: أحوال أبي هاشم، وطفرة النظام، وكسب الأشعري.

<<  <  ج: ص:  >  >>