بعدها- بدعة قبيحة، وهي اجتماع طائفة من العامة على شيخ من الشيوخ الذين عاصروهم أو تقدموهم ممن يشار إليهم بالولاية والخصوصية، ويخصونه بمزيد المحبة والتعظيم، ويتمسكون بخدمته والتقرب إليه قدرا زائدا على غيره من الشيوخ، بحيث يرتسم في خيال جلهم، أن كل المشايخ أوجلهم دونه في المنزلة عند الله تعالى، ويقولون: نحن أتباع سيدي فلان، وخدام الدار الفلانية، لا يحولون عن ذلك ولا يزولون خلفا عن سلف. وينادون باسمه ويستغيثون به ويفزعون في مهماتهم إليه، معتقدين أن التقرب إليه نافع والانحراف عنه قيد شبر ضار، مع أن النافع والضار هو الله وحده. وإذا ذكر لهم شيخ آخر أودعوا إليه، حاصوا حيصة حمر الوحش من غير تبصر في أحواله: هل يستحق ذلك التعظيم أم لا. فصار الأمر عصبيا، وصارت الأمة بذلك طرائق قددا، ففي كل بلد أو قرية عدة طوائف، وهذا لم يكن معروفا في سلف الأمة الذين هم القدوة لمن بعدهم. وغرض الشارع إنما هو في الاجتماع وتمام الألفة واتحاد الوجهة وقد قال تعالى لأهل الكتاب:{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(١) الآية. وقد ذم قوما فرقوا دينهم وكانوا شيعا ... ثم استرسل هؤلاء الطّغام في ضلالهم، حتى صارت كل طائفة تجتمع في أوقات معلومة في مكان مخصوص -أو غيره- على بدعتهم التي يسمونها الحضرة. فما شئت من طست وطار، وطبل ومزمار وغناء ورقص، وخبط وفحص، وربما أضافوا إلى ذلك نارا أو غيرها، يستعملونه على سبيل الكرامة بزعمهم.