وهذا دليل على أن المشركين أمم استوجبوا التوبيخ على قولهم ذلك، لأنهم كانوا يهزؤون بالدين، ويبغون رد دعوة الأنبياء عليهم السلام، حيث قرع مسامعهم من شرائع الرسل عليهم السلام تفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى، فحين طالبوهم بالإسلام، والتزام الأحكام، احتجوا عليهم بما أخذوه من كلامهم مستهزئين بهم عليهم الصلاة والسلام، ولم يكن غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم، كيف لا والإيمان بصفات الله تعالى فرع الإيمان به عز شأنه وهو عنهم مناط العَيُّوق. (١)
{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)}، أي: تكذبون على الله تعالى.
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}، أي: البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات، والمراد بها في المشهور: الكتاب والرسول والبيان. {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} بالتوفيق لها، والحمل عليها، ولكن شاء هداية البعض الصارفين اختيارهم إلى سلوك طريق الحق، وضلال آخرين صرفوه إلى خلاف ذلك.
ومن الناس من ذكر وجها آخر في توجيه ما في الآية: وهو أن الرد عليهم إنما كان لاعتقادهم أنهم مسلمون اختيارهم وقدرتهم، وأن إشراكهم إنما صدر منهم على وجه الاضطرار وزعموا أنهم يقيمون الحجة على الله
(١) كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا من ناحية الشمال ويطلع قبل الجوزاء، سمي بذلك لأنه يعوق الدبران عن لقاء الثريا. لسان العرب مادة [عيق].