فإن قيل: قد توضح لنا أن السعي في الأسباب الموصلة إلى مسبباتها، مطابق للقضاء والقدر، مؤيد له، وأنه يتعذر الإيمان الصحيح بالقدر بدون فعل الأسباب، فما أحسن طريق يسلكه العبد؟
فالجواب: أحسن طريق يسلكه العبد في أموره الدينية؛ الاجتهاد في تفهم كتاب الله وسنة رسوله، وتحقيق الإخلاص للمعبود في كل عمل وقول، وعقيدة وطريقة، وتحقيق متابعة الرسول، واجتناب البدع الاعتقادية، والبدع العملية. فهذه الطريقة الدينية فيها الخير والبركة، والقليل منها أعظم ثوابا، وأبلغ نجاحا، من الكثير من غيرها.
وأما الأمور الدنيوية: فالعبد مفتقر إلى الكسب لنفسه، ولمن عليه مؤونته، فعليه بسبب يناسب حاله، ويتفق مع وقته من المكاسب المباحة، وخصوصا: المكاسب التي لا تشغل العبد عن أمور دينه، ولا تدخله في محظور. وليثابر على ذلك السبب، ويكون اعتماده على مسبب الأسباب، وليكثر من سؤال ربه لييسر أموره، وأن يختار له أحسن الأحوال. وليكن قنوعا برزق الله، راضيا بما قسم الله، لا يحزن على مفقود، ولا يتشوش من مناقضة الأسباب لمراده، فبذلك يحصل رضا ربه، وراحة قلبه ... ويبارك له في القليل. وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم. (١)