ورأيتُ أن أجلّ خدمة لهذا الكتاب التوسعُ في تحقيق دقائق التعليل، تقريباً لها في أذهان القارئين، وإرشاداً للمستفيدين، وتسهيلاً للباحثين، وليكون ذلك حافزاً لطلاّب الحديث على أن يغوصوا في أعماق فنونه، ويستخرجوا منها الدرر الغالية، التي بها يفقهون كتاب الله حقّ فقهه، ويؤدّون أمانة الله حقّ أدائها، حتى يَسْمُوا بذلك إلى الذّروة العليا في العلم والعمل، في الدين والدنيا، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصّاً واستدلالاً، ووفّقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونوّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة.
وليعلم من يريد أن يعلم: من رجل أسلس للعصبية المذهبية قياده، حتى ملكت عليه رأيه، وغلبته على أمره، فحادت به عن طريق الهدى؛ أو من رجل قرأ شيئاً من العلم فداخله الغرور، إذ أعجتبه نفسه، فتجاوز بها حدّها، وظنّ أن عقله هو العقل الكامل، وأنه (الحكم التُّرضى حكومته) فذهب يلعب بأحاديث النبيّ، يصحح منها ما وافق هواه وإن كان مكذوباً موضوعاً، ويُكذّب ما لم يعجبه وإن كان الثابت الصحيح؛ أو من رجل استولى المبشّرون على عقله وقلبه، فلا يرى إلا بأعينهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، ولا ينظر إلا على ضوء نارهم يحسبها نوراً، ثم هو قد سمّاه أبواه باسم إسلاميّ، وقد عُدّ من المسلمين -أو عليهم- في دفاتر المواليد وفي سجلاّت الإحصاء، فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلبسه جنسيّةٌ ولم يعتقده ديناً، فتراه يتأوّل القرآن ليخضعه لما تعلّم من أستاذيه، ولا يرضى من الأحاديث حديثاً يخالف آراءهم وقواعدهم، يخشى