للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من علل، في أخلاقنا، في معاملتنا، في ديننا، في ثقافتنا، في رجولتنا، إلى غير ذلك. وسأقص عليكم بعض المثل من آثارها مما رأى:

كان لها أثر بيّن بارز في التعليم، فقسمت المتعلمين المثقفين منا قسمين، أو جعلتهم معسكرين: فالذين علّموا تعليماً مدنياً، وربّوا تربية أجنبية، يعظمون هذه القوانين وينتصرون لها ولما وضعت من نظم ومبادئ وقواعد، ويرون أنهم أهل العلم والمعرفة والتقدم. وكثير منهم يسرف في العصبية لها، والإنكار لما خالفها من شريعته الإسلامية، حتى ما كان منصوصاً محكماً قطعياً في القرآن، وحتى بديهيات الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، ويزدري الفريق الآخر ويستضعفهم، واخترعوا له اسماً اقتبسوه مما رأوا أو سمعوا في أوربة المسيحية، فسمّوهم (رجال الدين) وليس في الإسلام شيء يسمّى (رجال الدين) بل كل مسلم يجب عليه أن يكون رجل الدين والدنيا. ثم عزلوهم عن كل أعمال الحياة وأعمال الدولة، واحتكروا لأنفسهم مناصبها، زعماً منهم أن (رجال الدين) لا يصلحون لشيء من أعمال الدنيا، أيّاً كان مبلغهم من العلم والثقافة والمعرفة، وحصروا الألوف من العلماء المثقفين فيما سمّوه المناصب الدينية، حتى لا مُتنفّس لهم، فإن ضجوا أو تذمروا حجّوهم بأنهم رجال الدين، زعموهم رهباناً، ولا رهبانية في الإسلام. (١)

إلى أن قال: إن قَسْمَ المتعلمين في الأمة إلى فريقين أو معسكرين مكّن لأقواهما من أن يستأثر بالتشريع والإفتاء، فيحدوَ بالأمة ويعدل بها عن سواء الصراط. ذلك أنهم أُفهموا وعُلّموا أن مسائل التشريع ليست من الدين،


(١) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين (ص.١٧ - ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>