للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم: إن منهم رجالاً أحرار الفكر، لا يقصدون إلى التعصب، ولا يميلون مع الهوى، ولكنهم أخذوا العلم عن غير أهله، وأخذوه من الكتب، وهم يبحثون في لغة غير لغتهم، وفي علوم لم تمتزج بأرواحهم، وعلى أسس غير ثابتة وضعها متقدموهم، ثم لا يزال ما نشؤوا عليه واعتقدوا يغلبهم، ثم ينحرف بهم عن الجادّة، فإذا هم قد ساروا في طريق آخر، غير ما يؤدي إليه حرية الفكر والنظر السليم.

ومعاذ الله أن أبخس أحداً حقّه، أو أنكر ما للمستشرقين من جهد مشكور في إحياء آثارنا الخالدة، ونشر مفاخر أئمتنا العظماء، ولكني رجل أريد أن أضع الأمور مواضعها، وأن أقرّ الحق في نصابه، وأريد أن أعرف الفضل لصحابه، في حدود ما أسدى إلينا من فضل، ثم لا أجاوز به حدّه، ولا أعلو به عن مستواه. ولكني رجل أتعصب لديني ولغتي أشدّ العصبية، وأعرف معنى العصبية، وحدّها، وأن ليس معناها العدوان، وأن ليس في الخروج عنها إلا الذلّ والاستسلام، وإنما معناها الاحتفاظ بمآثرنا ومفاخرنا، وحَوطها والذود عنها، وإنما معناها أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأعرف أنه (ما غُزي قومٌ قطّ في عقر دارهم إلا ذلّوا) وقد -والله- غُزينا في عقر دارنا، وفي نفوسنا، وفي عقائدنا، وفي كل ما يقدّسه الإسلام ويفخر به المسلمون.

وكان قومنا ضعافاً، والضعيف مُغرىً أبداً بتقليد القوي وتمجيده، فرأوا من أعمال الأجانب ما بهر أبصارهم، فقلدوهم في كل شيء، وعظّموهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>