فمن زعم أنه دين عبادة فقط فقد أنكر كل هذا، وأعظم على الله الفرية. وظن أن لشخص كائناً من كان، أو لهيئة كائنة من كانت، أن تنسخ ما أوجب الله من طاعته والعمل بأحكامه. وما قال هذا مسلم قط ولا يقوله، ومن قاله فقد خرج عن الإسلام جملة، ورفضه كلّه. وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
إنهم كانوا يدورون حول هذا المعنى ويجمجمون ولا يصرّحون، حتى كشف هذا الرجل عن ذات نفسه، وأخشى أن يكون قد كشف عما كانوا يضمرون. ولكني لا أحب أن أجزم في شأنهم، فلسنا نأخذ الناس بالظنة، وحسابهم بين يدي الله يوم القيامة. (١)
- قال -بعد ذكره نماذج لما في القوانين الإفرنجية والنظم الأوربية مما يخالف عقائد المسلمين، وتعطيل لكثير من فروض الدين-: ولسنا ننعى على هذه القوانين كلّ جزئية فيها، بالضرورة، ففيها فروع في مسائل مفصلة، تدخل تحت القواعد العامة في الكتاب والسنة، ولكنا ننكر المصدر الذي أخذت منه، وهو مصدر لا يجوز لمسلم أن يجعله إمامه في التشريع، وقد أُمر أن يتحاكم إلى الله ورسوله. فالكتاب والسنة وحدهما هما الإمام، نستنبط منهما وفي حدودهما ما يوافق كلّ عصر وكلّ مكان، مسترشدين بالعقل وقواعد العدل. ولكنا نسخط على الروح الذي يملي هذه القوانين ويوحي بها، روح الإلحاد والتمرد على الإسلام، في كثير من المسائل الخطيرة، والقواعد الأساسية، فلا يبالي واضعوها أن يخرجوا على القرآن، وعلى
(١) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين (ص.٩٣ - ٩٤).