أخذناه" وصرح كل واحد منهم أنه: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقالوا أيضا: "إذا قلت قولا فاعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله، فإن وافقهما فاقبلوه، وما خالفهما فردوه، واضربوا بقولي عرض الحائط" وهذا قول هؤلاء الأئمة الأعلام، أدخلهم الله تعالى دار السلام. ولكن الأسف ألف أسف من المقلدين المتأخرين، والمؤلفين الذين سودوا الدفاتر، وقد ظنهم الناس أنهم علماء مجتهدون معصومون، فهم قد ألزموا الناس تقليد واحد من الأئمة الأربعة ومذاهبهم المعروفة، فبعد الالتزام حظروا الأخذ والعمل بقول غيره كأنهم جعلوه نبيا مطاعا، يا ليتهم يعملون بقول الأئمة أنفسهم، ولكن لا يعرف أكثرهم من قول الإمام المتبوع إلا الاسم، وقد اخترع بعض المتأخرين مسائل، وابتدع مذاهب، ونسبها إلى الإمام، فيظن من يأتي بعده أنها قول الإمام أو مدعيه، والحال أنه مخالف لما قاله الإمام وقرره، وهو بريء مما نسب إليه، كقول كثير من متأخري الحنفية بحرمة الإشارة بالسبابة في تشهد الصلاة، أو أن المراد من يد الله قدرته، أو أنه تعالى في كل مكان بذاته وليس على العرش استوى. وبهذا وأمثاله قد انشقت عصا المسلمين، وتفرقت جماعتهم وجمعيتهم فاتسع الخرق على الراقع، وامتلأت الآفاق بالنفاق والشقاق.
فبدع بعضهم بعضا، وضللت كل جماعة من يخالفها في أدنى شيء، وحتى كفر بعضهم بعضا، وضرب بعضهم رقاب بعض، وصاروا مثلا لما أخبر به الرسول الصادق الأمين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: «ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة»، قيل من هم يا رسول الله؟ قال: