للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم يحملونها على ما عرف من المجازات، والمذهب الأول وهو مذهب أهل الحديث هو الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والأئمة المجتهدون بعده ولا يلزم من إثبات صفة العلو والفوقية لله تعالى على مذهب أهل الحديث القول بالجهة المستلزمة للحد والجسمية؛ فإن أهل الحديث يفرون من ذلك وينزهون الباري جل جلاله عن الجهة والجسمية وعن مشابهته تعالى للحوادث، وإن ألزمهم المؤولة ذلك يلزم من قبلهم من باب أولى وأحرى؛ لأن مستند أهل الحديث هو ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه الذين لم يكن يخطر ببالهم عند ذكر تلك الصفات تشبيه أو تشكيك؛ بل كانوا يعلمون أن الحق سبحانه لم يكن مشابها للمخلوقات كما في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (١)، فكذلك صفاته لا تماثل ولا تشابه صفات المخلوقات، فكانوا يؤمنون بها كما وردت، لأن الله تعالى وصف بها نفسه وهي لائقة بذاته القديمة الكريمة، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أحد من أصحابه أنهم أولوا أو أخرجوا تلك النصوص عن ظواهرها، بل ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للجارية السوداء: «أين الله؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال: «إنها مؤمنة» (٢).

فهل يقدر أحد ينتمي إلى الإسلام أن يقول إنها مجسمة، أو تعتقد الجهة لما يلزم عليه من كون النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرها على معتقدها الباطل؟ ومعاذ الله أن يقع ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما بعث إلا لتقديس الله تعالى وتوحيده، فشيء أقره -


(١) الشورى الآية (١١).
(٢) أحمد (٥/ ٤٤٧) ومسلم (١/ ٣٨١ - ٣٨٢/ ٥٣٧) وأبو داود (١/ ٥٧٠ - ٥٧١/ ٩٣٠) والنسائي (٣/ ١٩ - ٢٢/ ١٢١٧) من حديث معاوية بن الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>