للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه إلا أنهم كانوا يتكتمون، ودعا الحلاج إلى إظهار ما أظهره حب الرياسة.

وكذلك مزج الفلسفة بالتصوف كان معروفا عن بعض الفلاسفة الأقدمين، وتجد في كلام الفارابي وابن سينا نتفا من ذلك.

وكذلك في كلام متفلسفي المغاربة كابن باجة وغيره؛ وهكذا الباطنية كانوا ينتحلون التصوف، فلما جاء الغزالي نصب التصوف منصب الكلام والفلسفة الباطنية، وزعم أن الحق لا يعدو هذه الأربع المقالات، وقضى ظاهرا للتصوف مع ذكره كغيره أن طائفة من المتصوفة ذهبوا إلى الإباحة المحضة، وفي ذلك نبذ الشرائع البتة، ثم لم يزل الأمر يشتد حتى جاء ابن عربي وابن سبعين والتلمساني، ومقالاتهم معروفة. ومن تتبع ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وأئمة التابعين، وما يصرح به الكتاب والسنة وآثار السلف، وأنعم النظر في ذلك، ثم قارن ذلك بمقالات هؤلاء القوم علم يقينا أنه لا يمكنه إن لم يغالط نفسه أن يصدق الشرع ويصدقهم معا، وإن غالط نفسه وغالطته، فالتكذيب ثابت في قرارها ولا بد.

هذا والشرع يقضي بأن الكشف ليس مما يصلح الاستناد إليه في الدين، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» (١).

وورد نحوه من حديث جماعة من الصحابة ذكر في (فتح الباري) منها


(١) رواه أحمد (٢/ ٢٣٣) والبخاري (١٢/ ٤٦٤/٦٩٩٠) ومسلم (٤/ ١٧٧٤/٢٢٦٣ (٨)) والترمذي (٤/ ٤٦١/٢٢٧٠) وابن ماجه (٢/ ١٢٨٢/٣٨٩٤) وأبو داود (٥/ ٢٨٢ - ٢٨٣/ ٥٠١٩) بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>