للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} (١). وقوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} (٢) ونحو ذلك، وهذه المسألة هي التي ضل فيها القدرية والجبرية.

أما القدرية: فضلوا بالتفريط، حيث زعموا أن العبد يخلق عمل نفسه استقلالا من غير تأثير لقدرة الله فيه.

وأما الجبرية فضلوا بالإفراط، حيث زعموا أن العبد لا عمل له أصلا حتى يؤاخذ به.

وأما أهل السنة والجماعة فلم يفرطوا ولم يفرطوا، فأثبتوا للعبد أفعالا اختيارية، ومن الضروري عند جميع العقلاء أن الحركة الارتعاشية ليست كالحركة الاختيارية، وأثبتوا أن الله خالق كل شيء، فهو خالق العبد وخالق قدرته وإرادته، وتأثير قدرة العبد لا يكون إلا بمشيئة الله تعالى.

فالعبد وجميع أفعاله بمشيئة الله تعالى، مع أن العبد يفعل اختيارا بالقدرة والإرادة اللتين خلقهما الله فيه فعلا اختياريا يثاب عليه ويعاقب.

ولو فرضنا أن جبريا ناظر سنيا، فقال الجبري: حجتي لربي أن أقول إني لست مستقلا بعمل، وأني لابد أن تنفذ في مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي، فأنا مجبور. فكيف يعاقبني على أمر لا قدرة لي أن أحيد عنه؟ فإن السني يقول له: كل الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك، جعل لك سمعا تسمع به، وبصرا تبصر به، وعقلا تعقل به، وأرسل لك رسولا، وجعل لك اختيارا وقدرة، ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق، وهو ملكه المحض، إن


(١) فصلت الآية (١٧).
(٢) البقرة الآية (١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>