شيخ الإسلام-: إن الصحابة الكرام قد تناظروا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، في أمر الخلافة، وفي جمع القرآن، وفي المعارك الدامية كوقعة الجمل وصفين والنهروان، وتناظر الشيخان في قتال مانعي الزكاة، وفي إرسال جيش أسامة، ولم يستغيثوا به في هذه الشدائد، ولم يستفتوه في شيء منها، وكل هذا معلوم من الدين والتاريخ بالضرورة، ومن العقل والحس والوجدان بالبداهة، فيجب رد ما يتجدد من الوقائع والحوادث إلى الوحي المنزل، وما عرف من سنن الصدر الأول للإسلام.
ولو كان ترك وسائل النصر والظفر، والاستنصار بغيره تعالى مفيدا لنا في شيء، لكنا اليوم أسعد الأمم حالا، وأنعمها بالا، وأوفرها عزة وثروة وقوة، ولكن تلك الخطة المعارضة للشرع والطبع والحس التي سلكها أولئك الناس لم تزد الأمة إلا نكالا ووبالا، {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)} (١).
ثم إن هذا المؤلف (البكري) قد جرى على عرف بعض العلماء المتأخرين الذين جعلوا الاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم - وبغيره في معنى التوسل إلى الله تعالى بجاهه وبحقه، كالسبكي في 'شفاء السقام' والقسطلاني في 'المواهب'،