ومما يزيد الطين بلة، والطنبور نغمة، أنهم يخلون ذكر الله وقتئذ بإنشاد مدائح أهون ما فيها الإطراء الذي نهانا عنه سيد المتواضعين حتى لنفسه الشريفة فقال:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، ولكن قولوا عبد الله ورسوله»(١).
ولا تسأل عن تغاليهم في الاستغاثة بشيوخهم والاستمداد منهم بصيغ لو سمعها مشركو قريش لنسبوهم إلى الكفر والزندقة والمروق من الدين؛ لأن أبلغ صيغة تلبية كانت لمشركي قريش هي قولهم (لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك). وهي كما ترى أخف شركا من المقامات الشيوخية التي يهدرون بها إنشادا بأصوات عالية مجتمعة وقلوب محترقة خاشعة. ومنهم أقوام كثيرون اصطلحوا على جعل يوم من السنة مخصوصا بفضيلة أكل اللحوم النيئة، والطواف في الأسواق، ودق الطبول والنفخ في الأبواق، وتلطيخ الثياب بالدماء المسفوحة طول يومهم الذي يكونون فيه قرناء الشيطان، مع أكل الزجاج والشوك والحيات والعقارب وشرب القطران.
ويزيدهم قبحا وبشاعة وتمكنا في الهمجية ما يتمثلون به من الحيوانات البهيمية، ويتشبهون به من الوحوش الضارية، فيشخصون للإنسان كل ما امتازت به تلك الحيوانات بغاية البراعة والإتقان، ويستميلون نفوس الراءين ويسترعون أسماعهم بما يحسنون به تلك الأدوار من أنواع المهايتات والصياح، ويجوزون الشوارع الواسعة، ذات الأطراف الشاسعة على هذه
(١) أحمد (١/ ٤٧و٥٥) والبخاري (٦/ ٥٩١/٣٤٤٥) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.