للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذا مع كونه مخالفا للغة كما سبق عن ابن الأعرابي، فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويل للتأويل، وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق، أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجردا عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغة يستلزم المشابهة، فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلا عن اللغة قد جاء منسوبا إلى الله تعالى، كما في آيات الاستواء على العرش. وقد مضى بعضها كما جاء منسوبا إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (١) وفي النبات: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} (٢)، فاستواء السفينة غير استواء النبات. وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة، واستواء الطير على رأس الإنسان واستواؤه على السطح، فكل هذا استواء، ولكن استواء كل شيء بحسبه، تشترك في اللفظ، وتختلف في الحقيقة، فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء.

وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقا إلا على ألسنة المتكلمين، فتأمل ما صنع الكلام بأهله، لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه، ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف، فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله. (٣)


(١) هود الآية (٤٤).
(٢) الفتح الآية (٢٩).
(٣) مختصر العلو للعلي الغفار (٣٠ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>