تفرطوا في تعظيمه حتى ترفعوه عن منزلته التي أنزله الله، فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله.
والخطاب وإن كان لأهل الكتاب، فإنه عام يتناول جميع الأمة، تحذيراً لهم أن يفعلوا بنبيهم، كما فعلت النصارى في عيسى، واليهود في عزير.
ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله». (١)
أي: لا تتجاوزوا الحد في مدحي، فتنزلوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها، كما غلت النصارى في عيسى فادّعوا فيه الألوهية، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فصفوني كما وصفني ربي.
ولكن أبى الجاهلون والمخرفون إلا مخالفة أمر رسول الله، وارتكاب نهيه، فناقضوه أعظم مناقضة، وضاهؤوا النصارى في غلوهم وشركهم، وبنوا القباب والمساجد على أضرحة الأولياء والصالحين، وصلوا فيها -وإن كان لله- لكن بقصد التعظيم للمقبورين، وطافوا بقبورهم، واستغاثوا بهم في كشف الملمات وقضاء الحاجات، ورأوا أن الصلاة في أضرحة الأولياء أفضل من الصلاة في المساجد.
وقد ورد في الحديث الشريف عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما نُزِل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها، فقال -وهو كذلك-: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
(١) تقدم تخريجه في مواقف المكي الناصري سنة (١٤١٤هـ).