ولقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يُولون هذا الأمر اهتماماً خاصّاً، لا سيّما عند ظهور بوادر الفتنة؛ نظراً لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.
واهتمام السلف بهذا الأمر تحمله صور كثيرة نُقلت إلينا عنهم، من أبلغها وأجلّها ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة -رضي الله عنه-؛ حيث كان مثالاً للسنة في معاملة الولاة.
فلقد تبنى الولاة في زمنه أحد المذاهب الفكريّة السيئة، وحملوا الناس عليه بالقوة والسيف، وأُهريقت دماء جمّ غفير من العلماء بسبب ذلك، وفُرض القول بخلق القرآن الكريم على الأمة، وقُرّر ذلك في كتاتيب الصبيان ... إلى غير ذلك من الطاّمّات والعظائم، ومع ذلك كلّه؛ فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تستجيشُه العواطف (العواصف)، بل يثبت على السنة؛ لأنها خير وأهدى؛ فيأمر بطاعة وليّ الأمر، ويجمع العامّة عليه، ويقف كالجبل الشامخ في وجه من أراد مخالفة المنهج النبوي والسّير السّلفيّة انسياقاً وراء العواطف المجرّدة عن قيود الكتاب والسنة، أو المذاهب الثوريّة الفاسدة.
يقول حنبل -رحمه الله تعالى-: (اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله -يعني: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى-، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون: إظهار القول بخلق القرآن، وغير ذلك-، ولا نرضى بإمارته، ولا سلطانه. فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، لا تشقّوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا