للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وفيها أيضا: عن عبد الله بن صالح: كتب الأوزاعي إلى صالح بن بكر: أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن الكتب قد كثرت في الناس، ورد الأقاويل في القدر بعضهم على بعض، حتى يخيل إليكم أنكم قد شككت فيه، وتسألني أن أكتب إليك بالذي استقر عليه رأيي وأقتصر في المنطق، ونعوذ بالله من التحير من ديننا، واشتباه الحق والباطل علينا، وأنا أوصيك بواحدة؛ فإنها تجلو الشك عنك وتصيب بالاعتصام بها سبيل الرشد إن شاء الله تعالى:

تنظر إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الأمر، فإن كانوا اختلفوا فيه؛ فخذ بما وافقك من أقاويلهم، فإنك حينئذ منه في سعة، وإن كانوا اجتمعوا منه على أمر واحد لم يشذذ عنه منهم أحد؛ فأين المذهب عنهم، فإن الهلكة في خلافهم، وإنهم لم يجتمعوا على شيء قط؛ فكان الهدى في غيره وقد أثنى الله عز وجل على أهل القدوة بهم؛ فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} (١).

واحذر كل متأول للقرآن على خلاف ما كانوا عليه منه ومن غيره، فإن من الحجة البالغة أنهم لا يقتدون برجل واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أدرك هذا الجدل فجاء معهم عليه وقد أدركه منهم رجال كثير؛ فتفرقوا عنه، واشتدت ألسنتهم عليه فيه، وأنت تعلم أن فريقا منهم قد خرجوا على أئمتهم، فلو كان هدى؛ لم يخرجوا ولم يجتمع من بقي منهم، ألفه فيه واحدة


(١) التوبة الآية (١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>