للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن متعلمًا واحدًا في أسرة هو كسب عظيم لها، وكم رأينا آباءً حرموا من نعمة العلم، هبط الجهل بهم، ثم ظهر من أبناء هذا الرجل عالم واحد ارتفع بأبويه فبرزت أسماؤهم، وتحسنت أحوالهم فاغتنوا بعد فقر، وإذا كان هذا شأن العلم والمتعلمين في الأسرة الواحدة فإن شأنه بالأمة أعظم.

لهذا كان هؤلاء المتخرجون من مدرسة العلوم الشرعية، وأمثالها من المدارس كسبًا عظيمًا لأهليهم ولبلادهم.

وإذا علمنا أن مؤسس مدرسة العلوم الشرعية إنما أسسها في العهد العثماني الذي كان التعليم المنظم فيه قليلًا، والجهل فيه فاشيًا أدركنا مدى أهمية هذا العمل، وبُعد همة المؤسس يرحمه الله، ثلاثة رجال عظماء ظهروا في هذه البلاد المباركة في ثلاث مدن مختلفة من مدن الحجاز، أدركوا فداحة ما تعانيه الأمة من الجهالة والفقر، فأنشأوا المدارس، كل في البلد الذي ظهر فيه، بدأوا صغارًا، كما تبدأ الزرعة بغراس صغيرة، حتى كبرت مع الأيام فآتت أكلها أشجارًا عالية تحفل بالثمر الجني وتمتد ظلالها الوارفة، فيفيء إليها الناس آمنين مطمئنين.

أولهم الشيخ رحمه الله العثماني مؤسس المدرسة الصولتية بمكة الذي أسس مدرسته بمكة سنة ١٢٨٥ للهجرة (١).

وثانيهم الحاج محمد علي زينل رضا مؤسس مدارس الفلاح بدأها بافتتاح مدرسة الفلاح بجدة سنة ١٣٢٣، ثم بافتتاح مدرسة الفلاح بمكة المكرمة سنة ١٣٣٠، واتبعهما بمدرستي الفلاح في دبي والبحرين سنة ١٣٤٧، ومدرسة الفلاح في بومباي سنة ١٣٥٠ (٢).

وثالثهم هو السيد أحمد الفيض آبادي الذي خصصنا له هذه الترجمة مؤسس مدرسة العلوم الشرعية بالمدينة المنورة سنة ١٣٤٠ للهجرة.

كان الدافع للرجال الثلاثة واحدًا، هو الرغبة الجامحة في محو الجهالة، ونشر العلم والمعرفة.

بدأوا صغارًا ثم كبروا مع الأيام.

بعث الله الأميرة الهندية صولت النساء لأداء فريضة الحج، واتصلت أسباب الشيخ رحمة الله العثماني بها حينما قدمت إلى مكة، وقد أحضرت معها مبلغًا من المال لتشيد به رباطًا باسمها فأقنعها أن مكة تحتاج إلى مدرسة أكثر من حاجتها إلى رباط، فتحول مشروع الرباط إلى مدرسة سماها الشيخ رحمه الله المدرسة الصولتية نسبة إلى هذه الأميرة الخيِّرة الكريمة.


(١) انظر ترجمته في الجزء الثاني من أعلام الحجاز ص ٢٨٦/ ٣٣١.
(٢) انظر ترجمته في الجزء الأول من أعلام الحجاز ص ٣١٧/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>