ويتضح مما كتبه صاحب كتاب "الفتوحات الإِسلامية" عن هذه الحرب، أن الدولة العثمانية حينما شعرت بخطورة والتحالف المسيحي في أوربا ضد الأقاليم التابعة لها، عمدت إلى استنفار الجيوش الإِسلامية من شتى أنحاء الخلافة، ويشمل هذا الاستنفار لأول مرة الحجاز، ومكة المكرمة بالذات، فكان التدريب على الجندية الذي ذكرنا ما أورده مؤرخوا مكة بشأنه.
دور العُلماء في التدريب:
ولقد كان لكبار العُلماء في مكة دور هام في هذا التدريب، فلقد كان صاحب الترجمة الشيخ عبد الرحمن سراج مفتى الأحناف وشيخ علماء مكة يخطب في المسجد الحرام، كما كان يفعل غيره من أصحاب الفتوى للمذاهب الأخرى، وكانوا يحضون الناس على الجهاد، ولم يكتف العُلماء الأجلاء بهذا وإنما انخرطوا بأنفسهم في سلك التدريب. أخبرني الأستاذ حسين سراج أنه عمن أبيه الشيخ عبد الله سراج: أن الشيخ عبد الرحمن سراج كان يخطب الناس في المسجد الحرام يحضُّهم على الجهاد، ويدعوهم إلى الخروج إلى ميدان التدريب وكان يعطى بنفسه القدوة العملية فيرتدي الزي الخاص بالتدريب العسكري والذي أوردنا وصفه آنفا، ثم يتدرب على الرمي، ويقف في صفوف المتدربين، كما يفعل غيره من أعيان الناس وأوساطهم، وهذا الذي فعله الشيخ عبد الرحمن سراج، وهو يتبوأ أكبر منصب دينى في مكة فقد كان مفتى الأحناف، والدولة العثمانية تسير في أحكامها على المذهب الحنفى، كان دافعا للناس جميعا إلى الاندفاع في الجهاد، والاستعداد له بالتدريب والتعليم.