فلما أصبحنا في يوم الاثنين الخامصر عشر ومائتين وهو اليوم التاسع من شعبان، وركبنا وسرنا على بركة الله تعالى، وقد نفذ زادنا، ولم يبق معنا ما يمضغ أو يساغ، وما على الرسول إلا البلاغ، ولكن قرب المزار، فاتخذنا من التوكل شعارًا، ومن التسليم إزارًا، إلى أن صار ضحوة النهار، فأشرفنا من بعيد على بيوت من الشَّعر لعرب هناك نازلين في مكان يسمى - النباه - بفتح النون المشدَّدَة، وفتح الباء الموحدة بعدها ألف وهاء - فقلنا نباه من النباهة، وبيوت من البيتوتة، وعرب من الأعراب، الذي هو الكشف والبيان، وشعر من الأشعار، ونحن في حكم بني هاشم حتى دنونا من الخيام، ونزلنا على العرب منهم مؤذنين بسلام، فإذا هناك امرأة من جهينة وبنوها صبية صغار في ذلك الحي متفرقين، فقلنا هنا يحصل المرام، وعند جهينة الخبر اليقين، فلما استقر بنا المكان قامت امرأة إلى نار أضرمتها، وتلك الصبية جمعتها، وجاءت إلينا، ورحبت بنا، ودعتنا إلى بيوتها، واعتذرت بغيبة رجالها، ونفي ثبوتها، وأجلستنا في بيوت الشعر، ثم عملت لنا القهوة وصنعت لنا الخبز على طريقة أهل البرّ والبدو، وجاءت لنا بشاة وقالت: اذبحوها، وطبختها لنا وقدمتها بين يدينا مع الخبز من البُرِّ المرسل إلينا، وقدمت إلينا بطيخا أحمر، فحملنا معنا ما بقي من اللحم المطبخ، وظهر لنا الزاد الذي كان في الغيب مضمر، وبقينا هناك إلى أن صلينا صلاة العصر بالجماعة، ثم ركبنا وسرنا .. إلخ (٢٥٢).