وأخوه الرابع محمود أحمد، التحق بالمكتب الإعدادي في المدينة المنورة، وتخرج منه عام ١٢٣٥ هـ والتحق كاتبًا بالمحكمة الشرعية بالمدينة، وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيسًا لكتاب المحكمة في العهد الهاشمي، وفي العهد السعودي استمر في عمله بالمحكمة ثم انتدب قاضيًا لمدينة جدة، ومارس فيها وظيفة القضاء عامين، ثم عاد إلى المدينة بعد أن اعتذر عن البقاء في جدة، واشتغل بالأعمال التجارية إلى جانب الأعمال الحكومية التي أسندت إليه، ومنها كتابة عدل المدينة المنورة، وعضوية المجلس الاداري، ورئاسة مجلس الأوقاف ورئاسة المجلس البلدي (١).
[تفكيره في تأسيس المدرسة]
في هذه البيئة العلمية نشأ أحمد الفيض آبادي ودرج، فلما عاد من الهند واستقر بالمدينة المنورة، رأى أن هذه البلدة الطيبة في حاجة إلى مدرسة تنشر العلم بطريقة منظمة، كانت الدروس الدينية وحلقات العلم موجودة بالمسجد النبوي الشريف، ولكن المدرسة التي فكَّر فيها أحمد الفيض آبادي نمطًا آخر يجمع بين ما يُلقى في حلقات المسجد النبوي الشريف من علوم الدين، وما يحتاج إليه الناس في حياتهم من أسباب المعاش، يقول أحمد الفيض آبادي عن ذلك:
منذ وصلت إلى المدينة المنورة مهاجرًا إليها مع الوالد عام ١٣١٦ هجرية تعلَّق بذهني مشروع انشاء مدرسة لتعليم أبناء هذه البلدة المطهرة ما يعيد إليهم مجد أسلافهم في ناحيتي العلم والعمل، وظلَّت هذه الأمنية الغالية عالقة بذهني إلى أن قدم أحد معارفنا من أثرياء الهند إلى المدينة المنورة سنة ١٣٣٤ هـ، فعرضت عليه تفاصيل مشروعي فأبدى استعداده للتبرع بمبلغ سبعة عشر ألف روبية للمشروع إذا شرعت فيه.
لذلك تقدَّم أحمد الفيض آبادي إلى الحكومة التركية بطلب الأذن بتأسيس المدرسة وذكر الوعد الذي تلقاه من الثريِّ الهندي بالمبلغ الكبير الذي رصده لهذا المشروع.
كانت الحكومة التركية قد قرَّرت إنشاء جامعة اسلامية بالمدينة المنورة تحمل اسم صلاح الدين الأيوبي يلتحق بها المتخرجون من المدرسة الاعدادية الوحيدة بالمدينة والتي تأسست عام ١٣١٨ هـ، ويرغبون في مواصلة دراستهم العالية، وكانت الدولة العثمانية تبعث طلاب الدراسات العليا إلى القدس والأستانة.
شرعت الدولة العثمانية في بناء الكلية عام ١٣٣٢، وتم تشييد الطابق السفلي منها بالحجارة السود المنحوتة التي تبنى بها المباني العظيمة في المدينة المنورة.