للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العطارون والبزارون يعتصمون بمكة]

وفي سنة ست وثلاثين وألف ثامن عشر عاشوراء، عزَّل من السوق جميع العطارة والبزارة، ودخلوا على ضريح السيد نعمة الله القادري، نزيل شعب عامر، وسبب ذلك أن كل شريف من الأشراف استخرج رجلًا منهم على قواعدهم أنه رِجَّالُه وأنه إليه في قواعدهم أن كل ما أراد شيئًا أخذه منه، وان امتنع تصرَّف فيه بكل ما يختار، وما أحد يعارضه، ولا صاحب، حتى أن شريفا يقال له عبد المعين بن حسن، نادى على ابن عبد الله شلبي وطلب منه بعض شيء من المعاملة فامتنع، فسلَّ سيفه عليه وتهدَّده، فخاف على نفسه، وألقى بنفسه من طاقة في بيت الشريف فانكسرت رجله.

وفي ظهر ذلك اليوم نادى منادي الشريف، في حال العطارة والبزارة بأنهم رعية الله، ورعية السلطان أحمد، ورعية ملك مكة، يبسطون دكاكينهم، ليس لأحد من الأشراف يتعرضهم فبسطوا، ثم أرسل شريف من ذوي عبد الله، يقال له زين العابدين لرجل من العطارة، وناداه وأظهر وصلا من الشريف يتضمن بأنه رجَّالُه، فقال العطار أنا رعية السلطان ورعية الشريف فضربه على فمه وفوق رأسه، حتى أدمى وجهه وحبسه، ولا فُكَّ حتى أخذ منه شيئا.

فاجتمعت العطارة والبزارة، ومضوا إلى شيخ الجماعة فاستنظرهم ثلاثة أيام، فلم يجدوا عنده جوابًا شافيًا فعرفوا بطلان المناداة الأولى، وهذه سالفة بين الأشراف لا يمكن قطعها.

وفي هذه المدة فقد من السوق كل شيء، وطلعت الأسعار، وزاد العيار، ولا في السوق إلا الفول والزيت الحار فقلت:

كل شيء عز نائله … فهو مفقود ومجهول

بسوقنا حيث الغلاء به … ليس إلا الزيت والفول

كذا في إتحاف فضلاء الزمن (١).

[شاعر يصف خطباء العصر في مكة]

شكى المنبر المكي جَوْرَ أئمة … عليه بأنواع المواعظ يلعبوا

وقال آلهي أنت أدرى بحالهم … يقولون ما لا يفعلون ويكذبوا

وقال آخر:

لقد كانت الخطبة فيما مضى … لمن له في العلم أوفى نصيب

حتى اضمحلت بأناس اتوا … من فارط الجهل بشيء عجيب

فصار من قلة عقل الفتى … وجهله أن قيل هذا خطيب

هذا الشعر قيل في إمام خطب في مكة سنة سبع وثلاثين ومائة وألف نقلًا عن إتحاف فضلاء الزمن (٢).


(١) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٦٣٧/ ٦٣٩.
(٢) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٦٣٩/ ٦٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>