للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاج في يوم عرفة لا يطلبون شيئًا غير الماء لعزته، ولا يطلبون الزاد، وربما جلب بعض الأقوياء - الماء - من أماكن بعيدة للبيع فيحصلون أموالًا من ذلك لغلو ثمنه.

[قربة الماء الصغيرة بدينار من الذهب]

يقول القطبي: وأني أذكر أنه في سنة تسعمائة وثلاثين قلَّ الماء في الآبار البعيدة أيضًا فارتفع سعر الماء جدًا في يوم عرفة، وكنت يومئذ مراهقًا في خدمة والدي رحمه الله، وفرغ الماء الذي حملناه من مكة، وعطش أهلنا، فطلبت قليلًا من الماء للشرب، فاشتريت قربة ماء صغيرة جدًا يحملها الإنسان بأصبعه بدينار من الذهب، والفقراء يصيحون من العطش، يطلبون من الماء ما يبلُّ حلوقهم في ذلك اليوم، فشرب أهلنا بعض تلك القربة، وتصدَّقوا بباقيه على بعض من كان مضطرًا من الفقراء، وجاء وقت الوقوف الشريف والناس عطاش يلهثون.

[والغيث يأتي من السماء]

فأمطرت السماء، وسالت السيول من فضل الله تعالى ورحمته، والناس واقفون تحت جبل الرحمة فصاروا يشربون من السيل من تحت أرجلهم، ويسقون دوابَّهم، وحصل البكاء الشديد، والضجيج الكثير من الحجاج في وقت الوقوف لما رأوا من رحمة الله تعالى ولطفه وإحسانه إليهم وتكرمه عليهم.

يقول القطبي: ولا أزال أتذكر تلك الساعة وما حصل فيها من اللطف العظيم من كرم الله العميم (١).

[الماء في سنة ألف ومائة وأربعين]

ونقل الغازي: من حوادث سنة أربعين ومائة وألف عن الوقوف بعرفة قال:

كانت الوقفة بالسبت، ولم يحصل من المخالفات شيء، وكانت الوقفة في غاية الأمن وإنما شاقَّ - شق - على الناس قلة وجود الماء، فقد بيعت القربة بثلاثين دواني (٢).

أقول: الدواني أو الديواني وحدة من العملة العثمانية، فصلَّناها في أعلام الحجاز نقلا عن السباعى (٣)، ونستطيع أن نستخلص من هذا أن سعر الماء في سنة ألف ومائة وأربعين كان رخيصًا جدًا بالنسبة لما ذكره القطبي عن سعر الماء في سنة تسعمائة وثلاثين أما جلب الماء من الأبار فقد كان الحجاز كله يعاني من شح الماء وقلته.


(١) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٣٢٧/ ٣٢٩.
(٢) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٣٧٢.
(٣) انظر أعلام الحجاز ج ٣ ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>