للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: لا شك أن السلطان غياث الدين الذي أنفق الأموال الطائلة على شراء البيوت وتشييد مدرسته العظيمة بملحقاتها، وبما أنفقه من الأموال كذلك في شراء النخيل ووجبات الماء لتصرف غلتها على المدرسة ومدرسيها وطلابها، لا شك أن الرجل بعمله العظيم هذا يبتغي وجه الله تعالى، وهو مجازيه على عمله الطيب، فإنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولكن السؤال الذي يستوقف القارئ هو، كيف يضيع هذا العمل الطيب هباءًا بعد زمن طويل أو قصير .. ؟ فقد تم إنشاء المدرسة وأوقف عليها ما أوقف، ورتَّب لها المدرسين من قضاة مكة المكرمة على المذاهب الأربعة في سنة ثمانمائة وأربعة عشر، وبعد ذلك بثمانين عامًا تهدم المدرسة ويعمر بدلها قاعة ومقعد ودكان بعد أن تصير ملكيتها إلى الشريف جمال الدين محمد بن بركات؟. الذي يقول عنه صاحب كتاب أم القرى أنه استأجرها أو صرفت له بمرسوم.

ولم يتحدث صاحب الكتاب عن الوقف الذي أوقفه السلطان وهو الحديقتان وسقيا الماء فلابد أن تكون قد امتدت لها الأيدي كما امتدت إلى المدرسة ذاتها وملحقاتها، ونستطيع أن نتصور أن وفاة السلطان غياث الدين ووفاة خادمه الذي قام بالعمل كله، وبُعْدُ سلطنة بنقالة عن مكة المكرمة، وعدم تفقد العمل الجليل الذي خلَّفه السلطان غياث الدين، قد انتهى به إلى ما ذكرنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[مدارس أخرى]

وذكر الغازي مدارس أخرى فقال:

ومنها مدرسة أبي علي بن أبي زكريا قرب المدرسة المجاهدية، وتاريخ وقفها سنة خمس وثلاثين وستمائة.

ومنها مدرسة الأرسوقي بقرب باب العمرة، وهو العفيف عبد الله بن محمد الأرسوقي.

ومنها مدرسة ابن الحداد الهدوي بقرب هذه المدرسة، وتعرف الآن بمدرسة الأشراف الأدارسة لاستيلائهم عليها، وتاريخ وقفها شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة وهي على المالكية.

ومنها مدرسة النهاوندي بقرب الموضع الذي يقال له الدريبة، ولها نحو مائتي سنة فيما أحسب والله أعلم، ذكره الفاسي في شفاء الغرام (١).

[مدرسة قايتباي]

كلَّف السلطان قايتباي وكيله وتاجره الخواجة شمس الدين محمد بن عمر الشهير بالزمن وشاد العمائر سنقر الجمالي أن يحصل له موضعًا يشرف على الحرم يبني به مدرسة يدرس فيه علماء المذاهب الأربعة، ورباطًا يسكنه الفقراء، ويعمر له ربوعًا ومسقفات يحصل منها


(١) إفادة الأنام مجلد ٢ ص ٤٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>